الشاعر العراقي الأستاذ زيد القريشي
تبدأ الكاتبة بالتلاعب بالكلمات على أوتار القارئ بدءا من عنوان الرواية (حنين) حتى انتهائها.فتطلقُ الرواية العنان لسؤالين يفرضهما عنوان الرواية أمام القارئ.هل البطلة (حنين) ؟ أم الحنين إلى شخص ما أو الحنين إلى الوطن و الحنين إلى الاشتياق...الخ؟!فيدفع العنوان القارئ الشغوف بهذا الجنس الأدبي إلى فتح صفحات الرواية و قراءتها و الاندفاع صوب المجهول.و يجد القارئ أنه أمام رواية مكتوبة بنفس ٍ شعري رصين و لغة شعرية متقدة.فيتميز متن الرواية (السَّرد) بأسلوب شعري كما قلنا ,توَّظف فيه البلاغة الشعرية و التأكيد على الحداثة في الفن الروائي.
تتمحور الرواية في بطلين هما (قمر) الرجل و (شمس) المرأة.و يبدو أنَّ اختيار
الكاتبة للأسمين جاء عن ذي قصد للدلالة على الصفاء و الصدق و السرمدية في الوجود.و
تتشكل أبعاد الفكرة في قصة حب نبيلة فتنمو و تكبر إلى حدود لا وطن واحد,فتخرج ُ
الرواية من أفقها الضيق إلى أفقها الرحب الواسع اللامتناهي حينما نكتشف أنَّ (قمر)
يمثل العراق بدلالة اللهجة التي استخدمتها الكاتبة في الحوارات و نكتشفُ أنَّ
(شمس) من تونس بدلالة اللهجة التي استخدمتها في الحوارات.
و ما يهمنا في
الأمر أنَّ الرواية ناقشت موضوعاً أزلياً و هو أنَّ الكون يرتكز على عنصرين هما:
الرجل و المرأة,يتساميان في حبهما و يتجردان عن شهواتهم والسعي خلف شبق الجنس,و
تصل ذروة الرواية للتطرق عن فرقة العرب و الاستعمار بحلته الجديدة بأسلوب شيق و
رائع يداعب شغاف القلب و يثلج الصدور.أما حبهما فيعكس صورة الوحدة و القوة و
التماسك التي تفتقر لها الأمة العربية في أيامنا هذي !
و ينبغي علينا أن نلاحظ
أنَّ الكاتبة قدمت صوراً قيمة في تخليد المرأة بذكر آيقونات خالدة عبر التأريخ لا
ينكرها أحد و هي (عشتار و أفروديت) و هي التي تمثلُّ الأنثى بكل ما تملكه من أنوثة
و إباء.كما سلَّطت الضوء على رجالٍ خالدين تحتاجها الشعوب اليوم أمثال (جيفارا و
حنبعل).و وظَّفت أحلامها المنكفئة التي استحالت ركاماً بأحد أعمدة الفلاسفة
القدامى (أفلاطون),و جاءت عكس ما كان يريده (أفلاطون) في كتابه (المدينة
الفاضلة).و تستمرُّ الكاتبة و بطلتها شمس أن تكون أسيرة الأماكن,تلك الأماكن التي
لا يمكن لشمس أن تنساها المتمثلة في (حلويات أبو عفيف و كورنيش الأعظمية و مثلجات
البلوط و الكاظمية), و هي شواهد على حبها لقمر قبل حبها لتلك الأماكن!و
يجيبها (قمر) بذات الإحساس لتذكره بقرطاج و الأطلسي, وهي شواهد على حبه لشمس قبل
حبه لتلك الأماكن!
و ينبغي أن نعرج على
الأسلوب الذي استخدمته الكاتبة في روايتها و هو أسلوب الدهشة و الصدمة بدءا من
العنوان. و ما أن يقلب القارئ صفحات الرواية الواحدة تلو الأخرى, يتفاجىء بلغة
الحوار التي تذهب صوب اللغة الدارجة(العراقية و التونسية).و يبدو أن الكاتبة تعمدت
أن تستخدم الحوار بلهجة البطلين لتنقل الإحساس و اللهفة بكل ما يمكن للحرف أن يجود
به, و لا يعني هذا أنَّ اللغة الفصحى لا يمكن أن تنقل أبعاد ذلك الإحساس,بل على
العكس فقد أعطى الحوار بلهجتي البطلين جمالاً و إتحاداً مع أحداث الرواية.و لا
يمكن لنا أن نعيب الكاتبة في هذا الطرح إذا علمنا أنَّ الكاتب الكبير نجيب محفوظ
كان يستخدم هذا الأسلوب لكي يصل صوت البطل إلى الناس البسطاء و بكافة درجة ثقافتهم.و
لا أحاول هنا أن أقارن بين الكاتبين لأنَّ لكل كاتب له أسلوبه الخاص.
و في المجمل,
تتحدث الكاتبة عن قصة الحب الخالد بين الشمس و القمر,فلا الشمس يمكن أن تستغني عن
القمر و لا القمر يمكن أن يستغني عن الشمس.و هذا ما تأكد في حب البطلين (قمر) و
(شمس).و تؤكد الكاتبة عبر الاسمين ,و في خضم الأحداث, أنَّ الحب الذي بينهما هو
حبٌ وجوديٌ كونيٌ, سامي المشاعر, لا يقف عند حدود معينة من الأفق الضيق.كما يمكننا
أن نلاحظ تأثر الكاتبة بالآيقونات التاريخية التي وظفتها الكاتبة في الرواية
توظيفاً رائعاً ,و لم يكن ذلك التوظيف مصطنعاً أو الزج فيه رغماً على القارئ.
في الختام, أود أن أرسل
رسالة للكاتبة و هو مجرد رأي لا أكثر و لها أن تأخذ به أو لا تأخذ.لا أنصح الكاتبة
بالولوج إلى عالم الرواية, لأن عالم الشعر سيبقى سيفاً مسلطاً على رقاب حروفها.و
قد يقول قائل أنَّ التنويع في كتابة الأجناس الأدبية المختلفة مطلوب,و لكنني أقف
بالضد حيال هذه النظرة لأنها قد تشتت الكاتب و تجعله يفقد الشعر و الرواية و لا
يسيطر على الاثنتين,و لأن الشعر و الرواية جنسان أدبيان يختلفان عن بعضهما بعض
اختلافاً جذرياً.فالرواية تتطلب نفساً طويلاً في الكتابة, و الشعر يتطلب اختزالاً
و توصيل الفكرة في عبارات مؤثرة.و إنْ قُدَّر للرواية أنْ تنجح,فلا أشجع الكاتبة
بكتابة رواية أخرى,إذ يمكنُ للرواية الثانية أن تفسد و تضيع نجاح الرواية
الأولى,خصوصاً إذا كانت الرواية الثانية لم تأخذ نفس الصدى في الرواية الأولى.و
أكررُّ ما قلته في البدء أنَّ الأسلوب الشعري للكاتبة (عفاف السمعلي) طغى على
الرواية, و هو ما يؤكد ما قلته على عدم استطاعة الشاعرة نزع ثوبها الشعري الذي
لبسته عندما كتبت أول قصيدة في حياتها و غدت شاعرة يشار لها بالبنان.
الشاعر
زيد
القريشي
العراق
=======================================
ورودي لكم"عفاف"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق