قراءة في ديوان (زخات مطر)
للشاعرة التونسيّة عفاف محمد السمعلي
القراءة الثانيّة (قصيدة زهر تشرين) بقلم الشاعر والناقد العراقي الأستاذ علاء الأديب
زهر تشرين
(هاهي حبيبات الظمأ تحولت أزرار ياسمين ،حين ارتقيت لشفا الربيع ،وبعضي الأخر
يناجي طيفك المتراقص على وجنات الورد).
بهذه الكلمات الأنيقة السّامية سمو الإحساس تبسمل الشاعرة قصيدتها (زهرة تشرين).
وعلى أعتاب هذه الكلمات دعتني الروعة أن أتوقف لأتأمل ما جاء بها من قبل أن ألج
عالم القصيدة.
ومن الجدير بالذكر بأن أكثر ما لفت انتباهي بهذه المقدمة الأنيقة تلك الاستعارات
البهيّة وىلتي تمثل ب(حبيبات الظمأ )(شفاه الربيع)(أزرار الياسمين)(وجنات الورد).
هذا إضافة إلى ماجاء فيها من اكتناز واختزال للمعان ،وإلى نظرة يملؤها الأمل
الواسع الأفاق المترامي الأطراف عبر مسافات الرؤى للحياة بكلّ مباهجها رغم مايمكن
أن تكون ضنينة بألوان الفرح.
فهناك مايوحي دائما الى الفرح المؤجل.
(يقتفي الصمت
ذرات عشق
توشح أناي
وحكاية الف ليلة وليلة
بحر خضم).
بهذا المقطع تبدأ القصيدة ..
مشيرة فيه الشاعرة إلى الصمت الذي يقتفي ذرات العشق للتعبير عمّا يتميّز به عشقها
الصّامت الذي لم يكن الصمت فيه الاّ سمة من سماتها.
وهذا مايدل قطعا على وجود مبرر لهذا الصمت.ربما يكون مبررا إنسانيا تكوينيا أو
ربما وليدا فرضته أحداث هذا العشق وبيئته ومسسباته.
وعندما تعرج الشاعرة على حكايات الف ليلة وليلة فإنها تريد حتما أن تكون شهرزاد
حكايتها التي لن ولم تكل أو تمل من مواصلة هذا العشق بصورة مغايرة لما كانت عليه
شهرشزاد سالف الأزمان.
فشهرزاد سالف الزمان غير شهرزادنا هنا فتلك قالن ماعندها بألف ليلة وليلة لتصل الى
مبتغاها
إلاّ إن شهرزادنا قد بقت بالنسبة لشهريار ذلك الجمال الصامت الذي يُدرك ولا يُسمع
.رغم إن كل مافيه من مشاعر وأحاسيس هو بحر خضم.
ومن هنا علينا أن نقف بالفعل وقفة تأمل وتبصر إلى إمكاننيّة الأستعارة وتوظيفها
للمختلف من الأحوال فين شهرزاد الحكايا وشهرزاد الصمت آلاف مؤلفة من صور الرّوعة.
(جنّات أعناب
جامحة منّي إليك
أسكب أحلامي
جداول
على شطآن العمر
لأنّهل منها صبابة
فيا أيتها المسافات المحتشدة
بالأمنيات
كوني صباحا
يضيء ليلي
ويزيح قتامة أوراق الخريف)
في هذا المقطع تعلن الشاعرة عن أن الصمت الذي يقتفي ذرات العشق ..لايمكن أن يكون
ألاّ صفة لما ظهر من هذا العشق لا لما بطن منه فهو بباطنه ناطق وقد عبّرت الشاعرة
عن ذاتها فيه
بأنها (جنة من الأعناب الجامحة الى معشوقها).
وهنا يأتي التعبير عن الشوق بحبات الأعناب للدلالة على النضوج وبدلا من أن يتدلى
الناضج فقد جمح جموح جموح العاطفة والرغبة في احتواء المعشوق وهنا تكمن جمالية
التصوير .
تلجأ الشاعرة فيما تبقى من هذا المقطع من القصيدة إلى حديث الروح لتعلن بأنها تسكب
أحلامها جداولا على شطآن العمر وهنا يعلن الحرف بأن العمر لدى الشاعرة غير العمر
عند غيرها فهو ليس أياما وسنين بل هو ارتواء وجفاف وإن الأعمار التي لايمكن أن
يكون العشق رافدا لها لن تكون الا يبابا.
أما ماكان العشق رافدها فلن تكون الا أعمارا يانعة مرتوية.
وتكتمل الصورة في هذا المقطع الى دعوة الشاعرة للمسافات التي تحول بينها وبين
معشوقها .
تلك المسافات التي قد احتشدت بالأمنيات أن تكون صباحا يضيء الليل.ويزيح قتامة
أوراق الخريف.
هنا يستوقفني بقوة تعبير الشاعرة عن مسافات البعد التي تحتشد بالأمنيات ذلك
التعبير الذي يعطي للمتلقي انطباعا جميلا وكأنه أمام لوحة زيتية لمثل هذه المسافات
.
وكذلك ماعبرت عنه الشاعرة بقتامة اوراق الخريف عن العمر الذي لاينهل من مناهل
العشق ولايرفد من روافده.
(هذا دثاري اللازوردي
يبتسم لزهر تشرين
أفواج من ديباج).
هنا وفي هذا المقطع من القصيدة تصف الشاعرة ما تتدثر به من جمال الطبيعة لهذه
الروح الجميلة الطاهرة الحالمة وهي تبتسم لزهر تشرين الذي اختارته دون غيره
لأرتباطه بميلاد معشوقها الذي ربما قد ولد في تشرين فلم يكن هذا الأختيار مصادفة
بكل الأحوال.
(الحرف ملء دمي
تقرع ابكار كلماتي
فأغازل في عينيك
لآليء الهوى)
بهذا المقطع من القصيدة تعود الشاعرة للحرف وللكلمات .فصيّرت الحروف التي تملأ
الدماء كلمات تغازل بها لآليء الهوى في عيون معشوقها الذي رأت في عينيه عمق محيط
محتشد باللآليء وما يكتنف هذا العمق من جميل الأسرار.
(وأطير إليك
أطير إليك
كعصفور أزرق
أحمل ألوان الفرح
دوائر أمطار مسائية
فاتركني استريح
يا (أنا)
فقد أدماني السفر).
أما في المقطع الأخير من هذه القصيدة فإن الشاعرة تعلن عن رغبتها بأن تطير
لمعشوقها
مؤكدة تلك الرغبة بتكرار المعنى كعصفور أزرق .
و(العصفور الأزرق هو عصفور بريّ جبلي يحمل براءة الطبيعة وبكارتها .
عصفور حياته مرهونة بحريته فمجرد أن يتعرض للسجن يموت على الفور .
يؤثر الفناء على الأضطهاد ويفضل أن يودع الحياة كريما من أن يقضيها في براثن لئيم)
.
حاملة لذلك المعشوق رائحة الأمطار المسائيّة المخضّب عطرها بأطياب تراب الأرض.
الفيديو الصوتي للقصيدة
ولا تطالب ذلك ذلك المعشوق الأمل ذلك المعشوق الساكن فيها كذاتها بمناداتها له يا
(أنا ) إلاّ أن تستريح لأنّها قد أدماها السفر أليه عبر كلّ تلك المسافات المحتشدة
بالأمنيات عبر الزمن .
قرأت القصيدة فكانت كحكاية بدأت لكنها لم تنته ابدا .فمازالت للحكاية من بقيّة.
علاء حسين الأديب
19/9/2013
=================
ورودي لكم "عفاف"