o زخّات مطر
أمسك بفنجان
الشّاي السّاخن و وقف من وراء النّافذة يرقبُ حركة المرور في الشّارع المحاذي للعمارة
التي يسكنها فصاحبنا من سكّان حيّ شعبي وُلد فيه و ترعرع بين أزقّته و علا صوته بين
جنبات كتاتيبه و اليوم صار رجلا فتيّا يقلّب أمور الدّنيا في فكره و يستقي منها الدّروس
و العبر .
كان الطّقس ممطرا في الخارج و قد اشتدّت زخّات غيثه
النّاقرة على صفحات النّوافذ ، فتسيل على خدودها كأنّها الدّمع في انهماره ؛ و تصاعدت
حرارة السّائل في الفضاء لتلتصق بزجاج النافذة كمن يدخّن سيجارة و ينفث دخانها في وجهها
فتزداد عيناها دموعا تنهمر على خدّيها في انسياب .
امتدّت راحته لتمسح البلّور و تزيح ما علِق به من ضباب أعدم الرّؤية
إلى الخارج و يعود إلى إرسال بصره حيث نقلته عيناه المتّقدتان تفاؤلا .
لا يعرف كم طال وقوفه وهو يذكر يوم كان شابّا يافعا
؛ يقف في هدوء الليل صامتا في شرفة غرفته ، يتّكئ على سورها المحاط بحائل حديديّ يذكّره
بنوافذ " سيدي أبي سعيد " و يتابع حركة القمر وهو يمرّ سريعا بين السّحب
حينا و يتوسّط كبد السماء بضيائه أحيانا أخرى فيعير الأرض بعضا من ضيائه و لو لفترة
وجيزة ثمّ يمرّ و لا يهتمّ .
في تلك الليلة كانت الغرفة المقابلة لشرفته مضاءة ،
و قد ظهرت من وراء زجاجها فتاة تحجبها الستائر
في احتشام .
لم يُلقِ بادئ الأمر بالا لوجود الفتاة من عدمه ؛ لكن
عادة وقوفه تلك ، خلقت داخله حميميّة مع جارته التي لا يعرفها و لم يتواصل معها يوما
؛ وجد نفسه يرتاح لوجودها و تنقبض روحه كلّما أطلّ من شرفته و لم يلحظ إضاءة غرفتها
كأنّه يشعر بأنّ أحدا يشاركه صمت الليل و يتابع معه البدر يتهادى خجلا كلّما تغافلت
عن حجبه الغيومُ الدّاكنة .
كانت تلك الليلة باردة ؛ لم تكفّ الرّياح فيها عن العواء
و لا البرق عن الوميض و لا الرّعد عن الزّمجرة ، و اختفى القمر ليترك مكانه لمارد الظّلام
يمارس طقوسه في معظم ليال الشتاء القارسة ؛ أثار فيه ذاك الطّقس الفضول للوقوف و الاستمتاع
بذاك المنظر في سكون الليل .
تمدّدت ليلتها على حافة سريرها مستلقية على بطنها ؛
ترفع أطراف قدميها إلى الأعلى ، تُدير أصابعها في الهواء في حركة تنمّ على اندماجها
الكلّيّ فيما تطالع ؛ و فجأة سمعت نقرات خفيفة على زجاج نافذتها أخذت تتسارع شيئا فشيئا
كأنّها تناديها لتعبث بخصلات شعرها المتناثرة على وجهها في غير انتظام و ترسُم أنهارا
جارية على وجنتيها فتعانق شوقها و حنينها الدّائمين للمطر
.
أسرعت إلى " شالها " تضعه على كتفيها و تفتح
الشباك المطلّ على الحديقة ثمّ تمدّ يديها فاتحة كفّيها تملؤهما من قطرات المطر المتساقطة
في تسارع .
مكثت قليلا فأشعره وجودها بسحر المطر و روعة الهدوء
ثمّ لمحها تستدير فجأة و تدلف إلى غرفتها ؛ اختفت زمنا عن أنظاره فعاوده شعور الانقباض
الذي يزوره كلّما فقد طيفها وهو يقف في الشّرفة وقت خلوته ؛ لكنّه سرعان ما لمحها من
جديد تظهر في حديقة منزلها و قد نزعت حذاءها
و قفزت فوق العشب المبلّل حافية القدمين ، و فتحت ذراعيها في الهواء كمن يستجمع قواه
لمعانقة الحلم و مشت على أطراف أصابعها كفراشة حُلْوةٍ رشيقةٍ تغازل سحرَ الطبيعة في
هدأة الليل و لم تأبه للسعات البرد و لا لقصف الرّعد المزمجر و لا لمعان البرق الخاطف .
دارت حولها مرّات و مرّات و ذراعاها مفتوحتان ؛ ترفع
عينين حالمتين إلى السماء و تغمضهما لتطلق العنان لجنونها كمن يراقص طيفا ساحرا يأخذ
بالألباب فتُذعن له في استسلام و تراقصه في نشوة لا تجد لها حدّا في نفسها .
تسارعت زخّات المطر أكثر مرحّبة بصديقتها الراقصة على
وقع نقراتها حتّى بلّلت ثوبها و رسمت في خجلٍ ملامح أنوثتها الفاتنة على جسدها ؛ فتورّدت وجنتا الحديقة تحت غمزات البرق المومض و
مغازلته لراقصته المجنونة .
o كانت تشعر بنفسها خفيفة في خفّة فراشةٍ بديعة الألوان
؛ تلثم ثغور الرياحين ثمّ تطير بعيدا حتّى تكاد تلامس وجه السّماء فتداعبه برفرفة أجنحتها ؛ كانت تشعر بسعادة لا توصف وهي تروي ظمأها من المطر
فتتعاظم الأشواق داخلها و يمنحها ذاك الشعور نشوة ما بعدها نشوة .
توقّفت لحظات قصيرة عن رقصها كأنّها أحسّت بوجوده يقف
مكتوف اليدين يرقبها في حركاتها السّاحرة ؛ مستمتعا بما تفعله بل ربّما هي تعبّر عن
جنونه هو الآخر ؛ فنجحت حيث عجز في الاستمتاع
بجنونه ؛ ثمّ جثت على ركبتيها لا تأبه لخصلات شعرها التي التصقت على جبينها ؛ و راحت
ترقب فقاعات الماء على الأرض كدوّامات عائمة سرعان ما تتّسع و تتّسع حتّى تتلاشى محدثة
دوائر تكبر و تكبر حتّى تصير لا تُرى بالعين المجرّدة فتحاول أن تأخذها بين أصابعها
قبل أن تفقد شكل الدّوّامة لكن دون جدوى .
كلّما تذكّر تلك اللحظات حنّ إلى الماضي و اشتاق إلى
رائحة أمطار تلك الأيّام الخوالي ؛ و افتقد شكل الحلازين وهي تخرج من مخابئها بعد انقطاع
السيول حيث كان يأخذ سطله فيجمع بعضا منها كعادة باقي السكّان .
رجع بخياله من خلال ما كان يحدث خارج غرفته آنذاك فابتسم
ابتسامة خفيفة ترسم حنينه للماضي اللّذيذ و
أطلق تنهيدة عميقة تفضح ذاك الحنين لعالم مازال يحبه و يشتاق إليه :
_ أين فررت أيّها الحُلُم ؟ فأنا أراك حيث تختفي ؛ فليس
المكان من يذْكرُك بقدر ما يفضحني شوقي إليك ؛ فأنت في مسكن بين الأضلع ، تجلس في مرمى
المهجة ، فإن لم تَرَك العينُ فالقلبُ بك إليها يشي ... أشتاق إليك يا دفءا دثّر قلبي
زمن الشتاء ، أناغي ربيعا يُزهر على شفتيك
كلّما أشرق وجه السّماء .
عاد ينظر إلى الخارج و يستمتع بمذاق القهوة في فمه
فيمرّر لسانه بعد كلّ رشفةٍ يتتبّع أثرها على
شفتيه .
كان الشّارع يعجّ بالحركة فترى النّاس على قدم و ساق
كأنّهم النّحل الرّائح و الغادي لا يهدأ نشاطهم و لا يتوقّف إلاّ بحلول الظّلام
.
وقف العمّ محمود بعربته المجرورة على ناصية الشّارع
بعد أن تخيّر ركنا مناسبا تلتقي فيه الحركة مناديا مادحا سلعته التي كان يذبّ عنها
الحشرات بمنشّة قشّ صغيرة و كلّما أقبل نحوه مشترٍ يجري بين يديه يسأله حاجته في صوتٍ
رقيق يرغّب في الشّراء و تمتدّ يده في حركة سريعة تلُفّ البضاعة في خفّة و رشاقة كلّما
اقترب منه مشترٍ جديد و يوصيه قائلا :
_ لا تنس أن تعود إلينا فأثماننا جيّدة و بضاعتنا ممتازة ؛ و يعود للنّداء من
جديد يستقدم بصوته العالي مزيدا من الحرفاء .
ها هو السّيّد فرج يجلس أمام دكّانه الذي ورثه عن والده
و قد وضع السّاق تلُفّ السّاق يشغل نفسه بتصفّح الجرائد الصّادرة ذاك اليوم فتراه مقلّبا
أوراقها و كأنّ عينيه تبحث عن معلومة دونا عن سواها و كلّما وجد خيطا مؤدّيا إليها
اعتدل في جِلسته و أسند ظهره إلى الكرسي و تاه بين السّطور يُشبع نهمه من المعلومة
الشّحيحة الصّادقة و لا يرفع عينيه عن الصّحيفة إلاّ إذا أقبل نحوه بعض الزّبائن فيستعيد
همّته و لا يجد حرجا في عرض ما يملك في مخزنه من مختلف المنتوجات حتّى ينجح في نهاية
المطاف في إقناع الزّبون باقتناء أحد معروضاته بكلّ كياسة و لباقة ثمّ يعود إلى كرسيّه
ليبتلعه من جديد ناسيا ما حوله و كأنّه في عالَم غير العالَم
.
ترشّف صاحبنا قهوته و قد لفّ يده اليسرى باليمنى و
كأنّه يستقرئ بردا يسبق نزول المطر .
تنقّل ببصره في الشّارع الممتدّ على مسافة طويلة و
قد ابتلّت أرضه و اصطفّت سيّاراته أمام إشارة المرور و ارتفعت منبّهاتها تستحثّ الواقفين
في أوّل الإشارة على التّقدّم .
توشّحت جنبات الطّريق بالمارّة يحملون مطريّات كأنّها
الفقاقيع على صفحة الوادي بأشكالها الدّائريّة في ألوان الزّهر ، فتزيد المكان بهاء
فوق البهاء ، تُخفي تحتها وجوها سعيدة بالغيث ، ساعية إلى رزقها بكلّ همّة .
سرح بخياله بعيدا ليرى نفسه ذاك الصّبيّ الذي طالما
خرج في مثل هذا الوقت لقضاء شؤون أمّه ؛ فيركض إلى الخارج كمن تخلّص من سجنه ويسرع
لنزع حذائه و جواربه و يدور في الهواء رافعا فردتيْ حذائه عاليا ، و يرقص فوق فقاقيع
الماء كمن يفقع بالونات العيد ، فيغرق سرواله بالماء حدّ الركبتين ، و تتبلّل خصلات
شعره البنيّ و تلتصق بجبينه فيبعدها تارة بيده و طورا يدير رأسه في كلّ الاتجاهات حتى
ينثرها بعيدا عن عينيه كما يفعل العصفور إذا أصابه شيء من البلل ، و إذا تذكّر أمّه
فإنّ سعادته و نشوته بما قام به و استمتع بممارسته ستُنسيه عقابها و حرمانه أحيانا
من الخروج إلى الشارع لفترة من الزّمن .
عند هذا الحدّ تبسّم ابتسامة عريضة و قرّب فنجان القهوة
من فمه يستزيد من تلك السعادة في براءتها و عفويتها و يتمنّى لو تعود به الأيام فيقف
تحت المطر يكرع من الفرح لحظات إضافيّة .
شعر بقشعريرة في جسمه ذكّرته في تلك الأيّام فحدّثه
لسانه في صمته :
_ أيّتها الغيمة الشّتويّة قفي بأرضنا و اسكبي من فيض
كرمك على شجيرات الكرم العطشى ... أيّتها الظلال الماطرة بكلّ ما يعتلج نفوسنا ، ارسمي
قوزح قزح يخترق الشّفاه المضرّجة بالأحزان الساكتة رغم الألم الموجع ... أيتها النّاقرة
مع همس الليل على زجاج نوافذنا بوقع حبّات مائك ، اشهدي أنّنا غسلنا أدران قلوبنا عند
أعتاب مطرك المنهمر و أنّ جرحنا اندمل رغم أثر القيح المحتقن ... أيّتها الرّياح العاصفة
لم أنس صفيرك لرقصات جارتي عندما بكت السّماء
فتلاعبك بضفائرها قبل أن تبلّلها قطرات المطر ...
حوّل بصره نحو النّاحية الشّرقيّة من الطّريق فشدّه
منظر ذاك العجوز المُحدوْدب ؛ إنّه العمّ مصطفى صاحب السّتّين من العمر كلّما رآه رأى
حركة النّمل في نشاطه حتّى اشتهر بين زملائه من التّجّار " بالشّيخ الشّابّ
" ؛ لقد أتقن هذا الرّجل ترصيف بضاعته ممّا يدلّ على عنايته الفائقة بذوق المشتري
و دراية بأحوال السّوق من عرضٍ و طلبٍ فكان العرض مغرٍ لا تقاومه النّفوس المستزيدة
للطّعام و الشّهوات .
كان الدّالف إلى قلب المحلّ قد نشُطت حواسّه و سال
لعابه و اتّجه إلى البضاعة يملأ منها الأكياس و البائع في سرور منقطع النّظير فيلوح
ذلك على وجهه من خلال تبسّمه و مساعدته للزّائر حامدا في داخله ربّا يرزقه و من البركة
لا ينساه .
بدأ اللّيل يتقدّم في تثاقلٍ ، و لاحت أنوار مصابيحه
باهتة بلونها البرتقالي تُصوّر خيوط المطر النّازلة على الأرض و كأنّها السّياط الصّافعة
لوجهها ، تشقّ أديمها فتُحدث فيها الأثر تلو الأثر ، فتصابر و تكابد و تتجلّد كلّما
اشتدت زخّات المطر و سرعان ما ينمحي الأثر إذا هدأ نزول الغيث .
أكمل آخر رشفة في فنجانه و كأنّه يستعذب مذاقها ، مستمتعا
بما يرى خارج غرفته فيتذكّر تواتر الأيّام التي يُنسي تدافعُها الإنسانَ أمرَ نفسه
، و تأخذه الدّنيا تذروه كالرّياح على قمم الجبال و لا يذكر يوم يرحل عنها خالِ الوفاض
إلاّ من عمل صالح و رأفة من ربّ العباد .
و في الحين قفزت إلى رأسه فكرة خطرت بباله أسرع إلى
تنفيذها دون تفكير ؛ فوضع الفنجان في سرعة على حافّة الشّرفة و أطبق الباب وراءه في
حركة سريعة ، و خرج إلى الشارع فاتحا ذراعيه رافعا رأسه إلى السماء مغمضا عينيه و أخذ
يدور و يدور حول نفسه يتخيّلها تراقص تلك الفتاة جارةَ الأمس في جنونها و عفويتها ؛
مستحضرا ذاك الطفل القابع في إحدى زوايا ذاته ؛ فنزع حذاءه و ألقى به على قارعة الطريق
، لكنّه ليس كطفل ذاك الأمس : فهو لا يشعر بالخوف من أمّه ؛ أحسّ بأنّ للخوف طعما لذيذا
يجعله يشعر بقيمة تلك اللحظات التي كان يسترقها في خروجه القليل من البيت .
_ أيمكن أن يكون للخوف وجه آخر غير الشعور بالارتباك
و الألم ؟ أيمكن أن يُهدينا الخوف سعادة لا نتبيّن أثرها إلاّ بعد مرور الزّمن ؟
لماذا لا يشعر بنفس تلك السعادة المجنونة رغم أنّه
يقوم بما كان يفعل في صغره ، لكن هذه المرّة دون قيد و دون انتظار عقاب من أحد ؟
أيمكن أن يكون الخوف يذكّره بأمّه التي غادرته منذ
سنوات و لم تعد موجودة لتنهره أو تستشيط غيضا من أفعاله و بالتالي لم يعد لما كان يفعله
تحت سيول المطر معنى ؟
أم أنّ رحيلها يُفقد الغيثَ معناه في غياب غيثِ عواطفها
تجاهه و إن عاقبته و نهرته ؟
توقّف عن دورانه و انحنى يأخذ حذاءه و لم يقفل راجعا إلى منزله بل واصل طريقه حافيا يشقّ صمت الشارع
بعد أن آوى الجميع إلى الدّفء و النّوم ؛ مشى
كمن يتفقّد رعيّته عند آخر الليل ، يستنشق روائح القهوة المنبعثة من وراء النوافذ
تحملها نسمات اللّيل النّديّة ، و يستمتع بسكون المدينة و قد استسلم لحبات المطر المنهمرة في غير توقّف
على كامل جسده و كثيرا ما أخرج لسانه و لعق بعض قطراتها كما كان يفعل ذلك صغيرا .
استعاد صاحبنا سعادته بتذكّره لجدّته التي كانت تجلس
متوسّطةً سريرها ، متربّعةً فوقه ، ماسكة بمسبحتها ، مُمِيلة نظارتيها ، تحكي لهم في
ليالي الشتاء الطويلة قصصا مختلفة من عالم شهرزاد و الأميرة شويكار و الفارس المغوار
بأسلوب مشوّق تستشعره الجدّة من خلال الأحداق المتجمّدة في عيون أصحابها و الأفواه
المفتوحة و الجلسة الساكنة كأنّ على رؤوسهم الطّير فتُمْعِن في مزيد التشويق و الوصف
دون أن تتوقّف على تحريك حبيبات المسبحة ، و تتعمّد الصمتَ أحيانا فتتململ الأجسام
في جلستها كمن يُعدّلها و تهتف الحناجر في صوت واحد :
_ و ماذا حصل بعد ذلك يا جدّتي ؟
عاد في آخر الليل إلى المنزل يقطر كالمزراب متدثّرا
بحكايات ذكّره بها ذاك الشارع الممتدّ و آوى إلى فراشه يُغمض عينيه على لحظات زادت
من سعادته وهو يذكرها خوفا من أن تهرب منه إلى الأبد ، و أسلم جفنيه للنّوم في خضوع
تدغدغه بعض الأحداث التي لم ينجح الزّمن في محوها من ذاكرته فجاءه الصّوت من داخله
هاتفا :
_ أتذكر يا شَبَهي ذات ربيع تلى ذاك الشتاء ؟ يوم كنّا
نخرج للحقول خارج البلدةِ نصحب الأهل في عطلنا ، نركض لنرتمي بين أحضان الزّرع نقطف
هذه الأزهار ، نفتح أكمامها و نعرّي خِدْر ثغورها في حذر فتقول لي :
_ أراهنك على أنّها حمراء ؟
فأسرع و أقول لك في نشوة :
_ بل هي في بياض قلبك ؟
_ أتذكر رحلة عودتنا على ظهر العربة و قد حملت أيدينا
الصغيرة باقة منها نواصل فتحها و قلوبنا لا تتوقّف عن الرّقص على نغمات ضحكاتنا البريئة
و قد اخضرّت أصابعنا من كثرة ما أرْدَت من قتلى العناد ؟
أتذكر يا رفيق الصبى و أنت تتحيّن الفرصة للخروج خلسة
لنلعب بالأرجوحة المعلقة الى شجرة اللوز خلف المنزل ؟
أتذكر كلّما ارتفعت الأرجوحة عاليا فيعلو معها صراخي
فتُسرع لإسكاتي حتّى لا ينكشف أمرنا و ننال نصيبا من لسعات السّوط ؟
أتذكر يوم انفكّ الحبل و سقطتَ على ركبتيك و أسرعت
ترتدي سروالا بدل تبّانك حتّى لا يُفتضح أمرك ؟
أتذكر يوم كنا نتسلّل إلى قنّ الدّجاج و نسرق الفراخ
لتلوي أعناقها لكن لا نسلم من نقرات الدجاجة و صياحها الذي يعرّضنا لملاحقة الجدة ؟
أتذكر ... أتذكر ... كم ستذكر لتذكر ......
_ كم هي كثيرة تلك الصور المشبعة بالذكريات الجميلة ترجعنا عُنوة إلى سنوات خلناها
اختفت و اندثرت أمام الهجمة الشرسة للشّيب الذي صار يغطّي مفرق الرّأس ، لكني أظنّها
انتصرت غصبا عن ذاك الشّيخ الأبيض ، لتنسج من بياضه نقاء النّفوس حتى بعد الكبر ، تدغدغ
أحاسيسنا و ترسم على شفاهنا بسمة حقيقية .
إنّها لذة لا تعادلها لذة يعجز اللسان عن وصفها مهما
رصفنا من كلمات و نمقنا من أوصاف
الكاتبة نجيبة بوغندة
========================
ورودي لكم عفاف
مرحباً، أنا سعيد للغاية الآن لأنني حصلت على قرضي من هذه الشركة الجيدة بعد أن جربت عدة شركات أخرى ولكن دون جدوى هنا رأيت إعلانات هذه الشركة الجيدة Faiza Afzal Finance وقررت تجربتها واتبعت جميع التعليمات. وأنا هنا سعيد، سعيد بأن قرضي قد تم إضافته إلى حسابي المصرفي، وأنا أقوم بهذه الشهادة بسبب مدى سعادتي بالحصول على قرضي أخيرًا، يمكنك أيضًا الاتصال بهم إذا كنت بحاجة إلى قرض سريع، اتصل بهم الآن عبر هذا البريد الإلكتروني: (contact@faizaafzalfinance.com) أو WhatsApp: +91 (923) 356-1861. للمزيد من المعلومات.
ردحذفشكرًا.