الشاعر دلف الحديثي
مرايا الغربة
حقٌّ عليَّ على بلادي أقلقُ
وعلى الذي يَجْري عيوني تأرقُ
وطنٌ من الأحلامِ يسرقُهُ الدّجى
وجراحُهُ حزناً بحزْنٍ تُورقُ
أحلامُ كلّ الجائعينَ تطوَّحَتْ
ولُقيمةٌ من ثغر طفلٍ تُسْرَقُ
وطنٌ يطوفُ على مدامع أهلِهِ
وبدمعِهِ شفةُ المواجعِ تَغرَقُ
أمواجُها طالتْ عنانَ سمائِها
وبظلِّهِ يهْوي تعوباً زوْرقُ
خلجانُهُ امتلأتْ بفيضِ نزيفِهِ
والآخرونَ لموتِهِ كمْ صفّقُوا
فيمدّ أذْرعَهُ لغصْنِ نقائِهِ
فلعلّ يوْماً سوْفَ ينبتُ فسْتقُ
لتجيءَ أطيارُ الرّؤى مبلولةً
برذاذِ أنفاسِ الحنينِ وتنْطُقُ
يا ما هنا سرْبٌ أتى مُتسَرِّبا
منْ وهْمِهِ وهناكَ آخرُ يلْحقُ
وهناكَ سرْبٌ منْ عَصافيرِِ الرّبى
طارَتْ إلى أعْشاشِها تتحرَّقُ
كمْ لوّنتْ أسْماءَها بيدِ الضّحى
والشّمسُ يقلِقُها التّرابُ المُقلَقُ
وحنينُ عُصفورٍ ينَقِّرُ وحدَهُ
شبّاكَ حزْني كي يفزَّ تشَوُّقُ
قد كانَ لي وطنٌ وأهلي ها هنا
كانوا وفرّقَهُمُ جحيمٌ أحْمقُ
كانوا وهاجسُهُمْ يلوِّنُ بيتَهمْ
بالحبّ حيثُ نجومُهُ تتألّقُ
أهلوهُ قد حُرِقوا بغصّةِ جُوعِهم
وبنارِهِ وبحبّهم قد أُحْرقوا
كانتْ بهم تقتاتُ لقمةُ خبزِهِمْ
ولهمْ يجيءُ لِمَا يُعاني مُمْلِقُ
وطني وأمواجُ الجنونِ تعتُّهُ
بيدِ الجنونِ وبالجنونِ سيَغْرَقُ
مَنْ ذا لهم فتحوا شبابيكَ الهوى
ولهم تحنّتْ بالهلاهلِ أطرُقُ
كنّا نظنّ بأنّنا ولوحدِنا
وبأنّ كلّ دروبِِنا لا تُخْرَقُ
وظننتُ أنّ الريحَ رُغمَ هبوبِها
ستظلُّ أبْوابي لأجْلي تُغلقُ
منْ أينَ نحْوي قد تسرَّبَ ضوْؤهم
وغدَتْ مصائِبُنا بأهلي تُحْدِقُ
مَنْ ذا ومَنْ تجتاحُ أسئلةٌ فمي
بلحاحِها يا صاحبي كم أشرَقُ
فأحسُّها في داخلي تجتاحُني
وبأنّني ممّا أُعاني أزْهَقُ
الحزْنُ ينْخرُني ويشْنقُ دمْعتي
وأنا بنصفِ مواجعي أتمزَّقُ
لالا تسلْ ما زلْتُ يُرْهِقني الشّجا
أنّى أُجاوِبُ والتّساؤلُ يُرْهِقُ
أنا مُتعبٌ وبنصفِ حسرةِ أضلعي
متهدِّمٌ متحرِّقٌ مُتمزِّقُ
مَنْ ذا لهم مَنَحوا أكفَّ جنوحِهمْ
وإلى مناراتِ الفناءِ تسلّقوا
لالا ولسْتُ أنا الوحيدَ المُبتلى
فالأرضُ هوْلاً بالرّعودِ تُشَقَّقُ
وطني ابْتلى مثلي وضاعَ مُدمّراً
وبه تنانيرُ الرّصاصِ تُحدِّقُ
قد كنْتُ يوماً حينَ أطرقُ بابَهُ
منْ حُبِّهِ شوْقاً بوجْهي يَشْهَقُ
وإذا جلسْتُ هوىً أناغي شطَّهُ
يأتي إليّ بموجِهِ يَتَدفّقُ
حزناً أنثُّ بأحْرفي ولأجلِهِ
إنّي بأحزانِ المَلا أتمنطَقُ
وجَعي يلملِمُني بدمعةِ عينِهِ
ويدُ الأسى فيها يُراوغُ مُطلِقُ
ويقولُ لي يا شاعري قد هاجرَتْ
كلُّ الحمائمِ كيف لا سأصفِّقُ
أنّى وكيْفَ وغيْمتي ما أمْطرَتْ
إلا دماً فوقَ التّرابِ يُعَتَّقُ
طارَتْ وغادَرَتِ الطّيورُ عنِ الرّبى
وتعثّرَتْ قدَمٌ بغيْمٍ يُهْرَقُ
هلْ سوْفَ ترْكضُ خلْفها حتّى ترى
أيَّ المسالكِ ضيّعوا فتفرَّقوا
هل يا تُرى ما زلْتَ تؤمِنُ أنّنا
يوماً إلى ركْبِ الشّعوبِ سنلْحَقُ
يا شاعري شاخَتْ مواجِعُ أهلِنا
وبهمْ كوانينُ الحنينِ تُحَرّقُ
شابوا وأحلامُ الصّبا لمّا تزلْ
بين العيونِ بعطرِهِمْ تَتفوّقُ
هي خطوةٌ بيني وبينكَ سيّدي
لكنّما وجْهي بوجهِكَ أطبَقوا
فالأرضُ ما زالَ اخْضرارُ دموعِها
إنّي أشكُّ مع المسافةِ يُورِقُ
والماءُ والرّيحانُ يُولدُ منهما
وطنُ الهوى وبهِ سيعبَقُ زنبَقُ
فبكلّ همٍّ طرّزوا أحزانَهُ
وبكل غَمٍّ غابَ نجْمٌ ازْرقُ
قد كنْتُ يوماً فيه أحلمُ بالشّذا
سيرشُّني برذاذِهِ ويُرَقرِقُ
ولسوْفَ يفرُشُ في منابتِ عُشْبهِ
سجادةً فيها تمَاوجَ مُونِقُ
وبها تُحَدِّقُ أنْهرٌ منْ حُسْنِهِ
ولها المَرايا بالمباهجِ تَبْرُقُ
لكنّني أحسسْتُ بعد ضياعِهِ
لا شمسَ بعدَ غروبِهِ قد تُشْرِقُ
كلُّ المشاعلِ في يديْهِ قدِ انطفَتْ
حتّى الذينَ بحبِّهِ قد سَوَّقوا
فلقدْ تكَفَنَتِ الدّروبُ بعُتْمتي
وبها يضيعُ مع المتاهةِ فيْلقُ
كنّا نُغنّي للعروبةِ هَمَّها
وإذا الذي فينا أجلُّ وأعْمَقُ
جئنا يُقاتلُ بعْضنا في بعْضِنا
ونمُدُّ جسْراً للصّراعِ ونُطْبِقُ
فمتى ستَجْمَعُني مرايا غرْبتي
وتُعيدني نحْوي إليَّ الأطرُقُ
أنا شاعرٌ وحْدي قصيدةُ أُمَّةٍ
سيظلُّ يعْزِفُها الزّمانُ وَينْطقُ
***
الشاعرخلف دلف الحديثي
========================
ورودي لكم عفاف
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق