الإعلامي و الشاعر العراقي الأستاذ مكي النزال
قراءة في رواية حنين
للروائية العربية
عفاف السمعلي
~~~~~~~~~~~
في الصفحة الأولى تطالعك صورة بوجه صبوح مبتسم قبل دخولك عالمها المطرز بمشاعرها
..، ثم إهداء،
(للذين و اللواتي صهدهم برد الواقع
و أثلجتهم نار الجراح
إلى الناس دون إفراط في الانتماء)
وتوقيع باسمها الذي تفضل أن يكون (عفيفة)..
فهي إذن تبدأ بالذين واللواتي وسنعرف لاحقًا أنهم قوم لم ترهم عيناها إلا على
شاشات تلفاز تلون منذ عشر سنين بلون دمائهم الأحمر بينا هي تألم لألمهم وتتحسر على
أرواحهم التي ترقى زرافاتٍ إلى السماء.
نعرف من التمهيد أن بطليْ الرواية فضائيان بالتسمية : (شمسٌ وقمر)! وهنا تبدأ رحلة
المصاعب، فالرمز يرهق كاتبه ويجعله يبحث ويفتش عن خصوصية رموزه مضافًا لجهده في
كتابة روايته. والأصعب من كل شيء هو أن (قمر) شاعر وليس روائيًا فصار يتساءل عن
قدرة (شمس) على (إنجاب) هذا المخلوق الهائل المسمى (رواية)! بينما تغرق (شمس) في
تساؤلاتها المُحرقة عن قدرتها في كتابة ما يهابه الجميع إذ تقول:
(هكذا سبحت شمس بين شلالات العبر تبحث في دهاليز الحياة عن ملامح وجهه أصابعها مجمدة جعل الحرف معوج والملامح غريبة .
(هكذا سبحت شمس بين شلالات العبر تبحث في دهاليز الحياة عن ملامح وجهه أصابعها مجمدة جعل الحرف معوج والملامح غريبة .
رحلت ،امتطت أجنحة الأحلام .هاهي تحلق في السماء تفتش عنه بين الكواكب تلهث
.أنفاسها تتسارع ،المكان مظلم .هي لا تتحمل الظلام.)
فهي تبحث.. تبحث عن روايتها في أعماق نفسها وفي ذكرياتها وهناك في البعيد حيث
(قمر) وعالمه، معبرةً كأي أنثى كاتبة عن مخاوفها من الانجرار والقبيلة والرذيلة،
وتصوّر (قمر) بكبريائه وخيلائه جالسًا على عرشه بينا هي تسعى إليه متعبةً وفرسها
خافتة الصهيل.
كل ما سبق ورد في التمهيد الذي وضعته الكاتبة مرمزًا لكنها سرعان ما تأخذنا غلى
واقعيةٍ سلسة تخبرنا فيها عن بطلتها (وهي الكاتبة نفسها) المعلمة المحبوبة المحبة
وحياتها اليومية وسريرها ووسادتها وما يحملان من ماضٍ عائدةً مرة اخرى للرمز
البسيط فالسرير (أسطوري) والكرسي (شاهدٌ حكيم) والمكتب (ذو رجاحة وحكمة) والورقة
أنثى يراودها قلم الكاتبة عن نفسها ثم عشتار وتموز (شمس وقمر) وكيف بدأت بينهما
قصة هي روايتنا هذه!
فنحن، إذن، بصدد الكثير من السيرة الذاتية في هذه الرواية ولكن بلغة شعرية وظفتها
الكاتبة لتضفي على ما تكتب رونق وفخامة الشعر الذي تعتبره(سيدًا مهاب الجناب) بين
صنوف الكتابة، فالرواية ليست حاشدة الأحداث بقدر ما هي مجموعة إرهاصات (شمس وقمر)
وما يحيط بهما فالكاتبة لم تنس أن تشرح واقع الحال :
(أبحث عنك حبيبي بين خبايا ابتسامات النهار،في جرح الشعوب،في انتفاضات الصغار،في براكين الغضب اللذيذة.
(أبحث عنك حبيبي بين خبايا ابتسامات النهار،في جرح الشعوب،في انتفاضات الصغار،في براكين الغضب اللذيذة.
تنتحر حبيبي كلّ يوم من اجل الكرامة.
ماذا أقول اليوم لأرصفة الطريق التي شهدت دموعنا على القضية!!!!
ماذا أقول للمذابح البشرية..؟؟للجنائز اليومية؟؟؟.)
ولم تخل الرواية من لمحات استذكار (فلاش باك) محملة بذكريات لا تخلو من سرد مفاهيم
نضالية بصيغة مباشرة لا تحتمل الرمز وما يشبه (الهتافات) في تظاهرات حقوق المرأة
ومن وقف معها أو ضدها وسرد قضايا وذكر نساء مناضلات..، ثم فصول عن (قمر) المشرقي
المتمسك بدينه ومفاهيمه التي لا تناسب أفكارها (التقدمية) وتفاصيل تهجر الرمز إلى
حد الخوض في مكالمات هاتفية وأطباء وعلاقة بين
(شمس وقمر) تنمو إلى أن يلتقيا على
أرض الواقع وهما المتحابان في العالم المسمى جزافًا (افتراضياً) ليبدأ فصل جديد من
الحكاية.
لكن كل تلك الخلافات تذوب في كأس اسمه الحب فيعود الضحك مجلجلاً والشوق عاصفًا
والكلمات راقصة! واتفاق مؤلم بين شمس وقمر على أن العرب هم أساس بلاء بلديهم
(العراق وتونس) دونما تطرق إلى احتلال أمريكي عالمي للعراق ودور إيران الواضح فيه
وشاركت به أنظمة عربية أيضًا وثورةٌ جاءت بالفوضى في تونس لا تخفى فيها أصابع
فرنسا وأميركا!
ومع أن الروايات تُنقَد بكُتُب، لكني هنا حاولت تقديم قراءة منصفة لنص بذلت فيه
كاتبته جهدًا محترمًا وظفت فيه إمكاناتها الشعرية واللغوية وواقعًا تعيشه مع
محاولةٍ لا بأس بها لتطريزه بالرمز، فجاء نصًا مقروءًا ماتعًا فيه المعلومة
المباشرة وفيه الحدث الشخصي والآخر العام والتلاحم الشعوري بين مشرق العالم العربي
ومغربه.
أسأل الله تعالى أن يوفق الكاتبة لإثراء مكتبتها والمكتبة العربية بمزيد من
إبداعاتها الشعرية والروائية.
الإعلامي والشاعر العراقي الأستاذ مكي النزال
عمان في 28-10-2013
============================
ورودي لكم "عفاف"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق