الخميس، 6 يونيو 2013

قراءة في رواية" حنين " للشاعرة والروائية عفاف السمعلي بقلم الناقد العراقي الأستاذ علاء حسين الأديب




الناقد والشاعر علاء الأديب
الشاعرة والروائية عفاف السمعلي 
قراءة في حنين






قراءة في حنين
===========

ليس من اليسير أن يتحول شاعر بين ليلةٍ وضحاها إلى روائي 

يحترف فن كتابة
الرواية . لما يتصف به هذا النوع من أنواع الأدب بصفات لا يمكن أن 

يحيط بها من هو
بعيد عنها





هذهِ هي القاعدة العامة التي اعتدنا عليها منذ أولجنا عالم الأدب . فللرواية خصوصيتها وللشعر خصوصيته .
ولأن لكل قاعدة شواذ ولكل مألوف ما يختلف عنه أحياناً فلابد لنا أن نقف عند حالة من حالات هذا المختلف عن المألوف .
ونحن أمام إنجاز أدبي كبير يتجسد لنا جلياً في رواية (حنين) لكاتبتها الشاعرة


والروائية التونسية
( عفاف محمد السمعلي)
فهذه الرواية التي بين أيادينا الان كانت مفاجئة كبرى بالنسبة لمتابعي وقراء ما تنظمه الشاعرة من قصائد شعر نثرية تمكنت من خلالها طيلة السنوات الماضية على وضع ملامح الوجه لهذا النوع من القصائد ؛
حتى إنها احترفت رسم الملامح وأتقنته لدرجة إقناع الكثيرين من المعارضين بإن قصيدة النثر لها ايقاعها الحسي الداخلي الذي يعد بمثابة الايقاع العروضي لقصيدة العمود .
وكذلك فيما يخص التمكن من إختزال العالي للمعنى الذي يكاد أن يكون مكافئاً
لأسلوب السهل الممتنع في الأنواع
الأخرى من القصائد .
لا يمكن هنا أن نتجاهل ما ذهبت إليه الشاعرة في رسم عالمها الخاص الذي ظهر من خلال إسلوبها الخاص في نظمها لقصائدها والذي صار فيما بعد هوية مميزة لها .
فالأسطورة وإستحضار روح الماضي وإستحضار شخوص التاريخ وتسخيرهم تسخيرا موفقا في العديد من قصائدها كان له الأثر البالغ في تحديد هوية النص
( السمعلي) كما أسلفنا .
ولست هنا بصدد الكتابة عن تجربة (عفاف ) الشعرية لأني أعتقد بأني قد

أشبعت هذا الموضوع بما فيه ولو جزء من حقه .
ولكني بحاجة الى التقديم للولوج في دراسة تجربة الرواية التي بين يدي الأن والتي لابد من أن أكون منصفاً في تقديمها على أكمل وجه بيما تفرضه علينا الأمانة الأدبية ؛ والإلتزام الأدبي الذي لابد أن ينصف به الأديب العربي في أداء رسالته كشاعر أو كناقد أو ككاتب أو غير ذلك من العناوين .
يلوح لقارئي رواية (عفاف السمعلي)
( حنين) وعلى الرغم من كونها التجربة المعلنة الأولى لها . بأنها ليست كذلك فعلاً .
فأسلوب الرواية وأدواتها ينم عن وجود

تجارب سابقة ربما لم تعلن عنها كاتبتها سابقاً .
إلا إن المختلف في هذه الرواية عن غيرها من الروايات التي قرأناها سابقا لغير الكاتبة هو تجربة نقل روح القصيدة إلى جسد الرواية . فكان ما قد قرأناه وأستمتعنا بقرارته جسداً روائيا بروحٍ شعرية تعلن عنها ذات الأيقاعات المنبعثة من مكامن الحرف وذات الموسيقى المنطلقة من عمق العبارة التي تنعم بها قصيدة النثر ( السمعلية) .
ولقد كان هذا مؤشرا إيجابيا في رأيي لتجربة يمكن أن تقول عنها الأولى التي تعلنها الكاتبة الأن على الملأ .
وعلى الرغم من أن الرواية في مضمونها تتحدث عن قضية علاقة إنسانية سامية

بين رجل وامرأة ؛
إلا إن الكاتبة قد أعطت لهذه العلاقة أبعادا وأفاقا واسعة مختلفة كل الأختلاف عن الأفاق والأبعاد التي إعتدنا في الكثير من الروايات التي تناولت ذات الموضوع .
وإني على يقين بأن القاريء الكريم سيلمس هذ عند إبحاره في صفحة أحداث هذه الرواية وهنا لابد من الأشارة الى بعض من الجوانب التي ساعدت في تحديد أوجه الأختلاف التي ميزت (حنين) عن غيرها من الروايات التي تناولت ذات الموضوع في سياقها العام .
الجانب الأول / إختيار الكاتبة لأسمي بطل وبطلة الرواية بأبعاد لها من الرؤيا ما سمح للكاتبة بأن تجعل مساحة

الأحداث في الرواية أكبر من مساحتها الطبيعية لو إن الأسماء قد إختيرت على غير هذا النحو .
فإن إختيار إسم شمس لبطلة الرواية وأسم قمر لبطلها أعطى للرواية سمات من سمات هذه الأسماء . فلو أمعنا النظر في إختيار هذه الأسماء لوجدنا أن خلفها يوحي الى الخلود – الصفاء – الضوء – النقاء – التلازم – الرحابة – السمو – العلاقة الوطيدة .
والأهم من هذا الاشارة الى ما سيثمره الرجل من المرأة في بقاءه وديمومته وتألقه ..
فالحقيقة التي لا يختلف عليها إثنان بإن القمر لا يمكن أن يكون قمرا بمواصفاته المعهودة لولا أن يكون مرآةً للشمس

ولست أرى إن هذا الأختيار كان عفوياً .. أوليس عن سبق إصرار وترصد
أما ....
الجانب الثاني / هو طبيعة العلاقة التي تربط البطلة بالبطل (شمس بقمر ) تلك التي تسمو بطبيعتها على العلاقات المألوفة بين رجل وإمرأة ؛ في زمن لا يؤثر المحسوس على الملموس قدر ما يؤثر الملموس من الأشياء . في زمن تدنت كغيرها فيه علاقة الرجل بالمرأة من حدود يفترض أن تكون بدايتها على الأقل بدايات روحية سامية
فقد كانت تلك العلاقة علاقة روح بروح أكثر منها علاقة جسد بجسد لذا فأن الرواية تحفل بالكثير من الحوارات

الروحانية باسلوب متدفق متناغم مع
طبيعة هذا النوع من الحوارات .. وهذا ما يقودنا لا إرادياً الى ..
الجانب الثالث / نكران الذات لدى الحبيبين في تعاملهما مع بعضهما على مدار أحداث الرواية والذي يظهر مؤتلقا في العديد من المواقف التي لا نريد أن نفوت على القاريء فرصة العثور عليها بين صفحات المكتنزة بالروائع من الأحداث ذات الطبيعة الرومانسية التي اختارت لها حيزا نظيفا من الكون المغبر في هذا الزمن الصعب المليء بأحداث الثورات والانتفاضات والتناقضات والقتل وسفك الدماء والانهيارات الاجتماعية والسياسية في كل مكان .



أما الجانب الرابع / فهو إهتمام الكاتبة على تسخير الأماكن التي يرتادها البطل والبطلة والأخذ بنظر الأعتبار مدى العلاقة الوطيدة بين مركبات الشخصية والنفسية لكل واحد منهم . والاماكن التي اشير لها في الرواية . فالبطل كان عراقيا بغداديا قد ارتاد في الرواية أماكن عديدة من بغداد كانت لها مدلولات كبيرة على تركيبة البطل ومزايا شخصيته وهذا سيدركه القاريء في العديد من فصول الرواية .
ولو كان بأمكاني أن أوغل في بعض المواقف التي تخللتها الرواية لفعلت بلا تردد ؛ إلا إن إسلوبي لا يعتمد على تفويت فرصة استمتاع القاريء بأكتشاف

ما تتم الأشارة اليه من خلال التقديم .

وربما اكثر ما يرتبط بما ورد من اهتمام الكاتبة على تسخير الأماكن ما ذهبت اليه الكاتبة في ما نلاحظه في .
الجانب الخامس / جانب الأهتمام بالمورث الأجتماعي لتلك الاماكن ومدى التأثير على سلوكية كل من البطل والبطلة على سير الاحداث في أدوارها ضمن تفاصيل الرواية من بدايتها حتى نهايتها .
وهنا لابد من الأشارة الى ما ذهبت اليه الكاتبة في احدى فصول هذه الرواية لقصيدة مغناة لرمز شعري عراقي ألا وهو الشاعر المرحوم

(بدر شاكر السياب ) (غريب على الخليج ) حيث زجتها الكاتبة بحرفية عالية للتعبير عن موقف انساني قد مر به البطل في احد فصول هذه الرواية .
ان رواية حنين .. وعلى الرغم من انها تحفل بجوانب عديدة اخرى تميزها غير الذي ذكرناه تجعلها تمتاز عن غيرها من الروايات ذات المدلولات المتشابهة ايجابا تحمل على ما ارى راية جديدة للرواية العربية بما تتصف به شكلا ومضمونا من خلال ما قد أسلفنا ذكره في تقديمنا المتواضع هذا .
ولست هنا الا معبرا عما قد بدا لي شاعرا وناقدا ومتذوقا وداعيا القارئ الكريم بأن يلج عالم هذه الرواية بكل تأنٍ ليكتشف بنفسه ما قد سبقته اليه بأكتشافه . وأنا

على يقين بأن الكثير من القراء
سيكتشفون ما لم اتمكن من أكتشافه أو سيحيطون بما لم أتمكن من الأحاطة به .
فلكل منكم عمق بصيرة وبعد بصر ورغبة صامتة في اكتشاف مكامن الروعة بين شمس وقمر .
وفقنا الله وأياكم
وكاتبة الرواية لما فيه إعلاء شأن الحرف العربي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
الشاعر والناقد العراقي
علاء حسين الأديب
بغداد
شباط 2013



ورودي لكم



هناك تعليق واحد:

  1. شكرا لمجلة المرفأ الأخير الألكترونيّة وللقائمة عليها الشاعرة والروائية المتألقة دائما عفاف السمعلي.

    ردحذف

LinkWithin

Related Posts Plugin for WordPress, Blogger...